كمال الانقطاع - ويکي‌السؤال 


نقل النص بشکل PDF
كمال الانقطاع


ما المراد من كمال الانقطاع؟ و لماذا نطلبه من الله تعالى؟ و ما يعني حجب النور و ابصار القلوب؟


المقدمة [تعديل]

هناك مقطع من المناجاة الشعبانية يقول: " إلهي هَبْ لي کَمالَ الْانْقِطاعِ إلَيکَ وَ أَنِرْ أَبْصارَ قُلُوبِنا بِضياءِ نَظَرِها إِلَيکَ حَتّى تَخْرِقَ أَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ وَ تَصيرَ أرْواحُنا مُعَلَّقَةً بعِزِّ قُدْسِکَ‏" ثم يقول في مقطع آخر: " الهي‏ وَ اجْعَلْني‏ مِمَّنْ نادَيتَهُ فَاجابَکَ وَ لاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِکَ هَبْ لي کَمالَ الانقطاعِ إِلَيکَ"، ما المراد من كمال الانقطاع و الحال ان كمال الانقطاع يقع في ضمن حركة الانسان التكاملية فكيف يطلبه من الباري تعالى؟ و ماذا يريد من ابصار القلوب التي نبتهل الى الله تعالى بتحصيلها؟ و ما الفرق بين القلب و بصر القلب؟ ما ذا يعني قوله: حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور و تصل الى معدن العظمة و تصير أرواحنا معلقة بعز قدسك"؟
يمكن توزيع الاجابة عن السؤال المطروح على مجموعة من المحاور:

الف. تفسير كمال الانقطاع [تعديل]

كمال الانقطاع الى الله تعالى يعني التجرد عن كل التعلقات الدنيوية و التحرر منها و التمسك بالله تعالى وحده و الأنس به وحده.
و التوجيه العلمي لطلب كمال الانقطاع من الله تعالى في الوقت الذي يقع ذلك ضمن حركة الانسان التكاملية؛ هو:
أن الوصول الى هذه المرتبة السامية – كمال الانقطاع- ليس بالامر السهل و الحركة الميسرة التي ينالها كل من رام طلبها، بل هي من المراتب الصعبة التي لا تحصل الا من خلال الاستعانه بالفيض و المدد الرباني.
و بعبارة أخرى: أن مرتبة تمام الانقطاع تعني الوفاء بتمام الميثاق الذي أخذه الله تعالى على عباده [۱] ، و لاريب ان التمسك التام بالعهد و الوفاء به بكل أبعاده و زواياه و الانسجام مع مقام الربوبية، يعد من الامور صعبة المنال و المعقدة جداً التي لا يمكن تحصيها بهذه القدرات المتوفرة لدى الانسان، بل تحتاج الى عون و مدد إلهي؛ من هنا جاء التعبير في الدعاء بقوله "الهي هب لي كمال الانقطاع اليك"، و الذي يكشف عن كون "كمال الانقطاع" هبة و هدية ربانية لعباده لا أنها من الامور الاكتسابية التي تحصل عن طريق كسب الانسان و حركته.
توضيح ذلك: ما من مخلوق في الطبيعة الا و لسان حاله يوحي اليه بادعاء الاستقلالية عن الباري تعالى في التدبير و الحركة و السلوك و...؛ و ذلك إنطلاقا من ان جميع المخلوقات قد رتبت من قبل الحكيم العليم بنحو قد يصدر منها النفع تارة و الضرر أخرى، فتكون مظهراً لاسمي " الضار" و النافع" له سبحانه، من هنا ينظر الكثير من الناس الى الاشياء نظرة استقلالية في تأثيرها، و لذلك اتخذوا من تلك المخلوقات - في كثير من الاحيان- ألهة.
و بهذا نتفهم إصرار القرآن الكريم على التأكيد على مقام الربوبية لله تعالى و تذكير الناس بهذا المقام الرباني العظيم و حاجة الناس اليه لانقاذهم من مخالب الشرك و الانحراف عن الصراط المستقيم و العبودية لله تعالى، و حفظهم من التيه و الضياع في فيافي الضلال، و ليعيدهم الى الجادة الحقة و يبين لهم أن السعادة الحقيقية المتمثلة بلقاء الله تعالى رهينة بالتمسك بحبله القويم و ذاته المقدسة: " فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً". [۲]
فالانسان معرض في حركته - كل آن- للابتلاء بانواع الشرك، فقد يصل الامر به – أحيانا- الى حدٍ تراه يضفي على بعض الماديات هالة من العظمة و القداسة و كأنه يعبدها و يقدسها.
من هنا هو بحاجة في حركتة باتجاه الباري تعالى و التخلص من حبائل الشيطان و الشرك الربوبي - التي تعترض طريقه- و الوصول الى مقام "كمال الانقطاع الى الله"، الى العون الالهي و المدد الرباني الذي يأخذ بيده في تلك المسيرة الشائكة، و يفيض عليه سبحانه بتلك الهدية العظمى لان القضية ليست من الامور الاكتسابية قطعاً؛ نعم، الذي يجعل الانسان مؤهلا لهذا الفيض أمر اكتسابي يتمثل في السعي و المثابرة و مجاهدة النفس و الالتزام بشريعة سيد المرسلين (ص)؛ و ذلك لان الابتعاد عن الاهواء النفسانية و الشيطانية لا يتحقق الا من خلال الالتزام بقيم الرسالة الاسلامية و التقيّد بالواجبات و النوافل و التخلص بالصفات الحميدة التي دعا اليها صاحب الشريعة الخاتمة (ص)، و ما خرج عن تلك الدائرة يعد تمرداً على قيم السماء و خروجاً عن الطريق القويم، فيقع صاحبه صيداً سهله لسهام الباطل و شباك الشرك و الانحراف فلا يحصل في نهاية المطاف الا على الضلال و الانحراف و الابتعاد عن الحق تعالى. [۳]
ب. مفهوم ابصار القلوب [تعديل]

إنّ التعبير بـ «القلب» في مصطلح القرآن الكريم و السنّة المطهرة يعني في كثير من الاحيان: الفكر و الروح و قوّة العقل. [۴]
و يظهر من أن المراد من "إبصار القلوب" نفس ما قصده الامام زين العابدين (ع) في الحديث المروي عنه: "إِنَّ للعبدِ أَربعة أَعين عينانِ يبصرُ بهما أَمر آخرته و عينان يبصر بهما أَمر دنياهُ فإِذا أَراد اللَّهُ عزَّ و جلَّ بعبدٍ خيراً فتح لهُ العينين اللَّتين في قلبه فأَبصر بهما العيبَ و إِذا أَراد غير ذلك ترك القلب بما فيه". [۵]

ج. المراد من معدن العظمة و عزّ قدسك [تعديل]

المراد من معدن العظمة معدن النور و عين القدرة السرمدية و صفات الجمال الالهي؛ كما أن المراد من "عز قدسك" عين الصفات الجلالية التي لا تنضب.

د. الحجب النورانية [تعديل]

للاطلاع على الحجب النورانية و اقسامها انظر: « الحجب النورانية»، سؤال ۶۷۱۹.
تحصل: ان المقصود من هذا المقطع الابتهال الى الله تعالى للتوفر على مجموعة من الحالات النورانية التي تمهد الارضية المناسبة أمام أبصار القلوب للتنور بنور جمال الحق تعالى؛ و المراد من كمال الانقطاع تمزيق كافة الحجب الظلمانية و النورانية على حد سواء للوصول الى ساحة القدس الالهي و الجلوس على مائدة "معدن العظمة" و الانتهال من نمير تلك العين الفياضة؛ من هنا يبتهل عباد الله المخلصون الى الله تعالى طالبين منه نورانية القلب و بصيرته ليتمكنوا من خرق حجب النور و الوصول الى معدن العظمة. [۶]

المراجع [تعديل]

۱. اشارة الى قوله تعالى: " وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني‏ آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ". الاعراف، ۱۷۲    .
۲. الكهف، ۱۱۰.   
۳. محمدي جيلاني، محمد، شرح المناجاة الشعبانية، تقديم و تعليق: قرباني، زين العابدين، ص ۲۳۰ – ۲۳۷، (بتصرف)، انتشارات سايه، طهران، الطبعة الاولى، ۱۳۷۳ش
۴. مکارم شيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏۵، ص: ۳۰۱، مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، الطبعة الاولى، قم، ۱۴۲۱هـ؛ و انظر موضوع «العقل "المحاسب"،القلب، الايمان و العشق»، سؤال ۸۳۹.   
۵. الشيخ الصدوق، توحيد،تحقيق و تصحيح: حسيني، هاشم،‏ ص ۳۶۷، جماعة المدرسين، قم، الطبعة الاولى، ۱۳۹۸ق.‏   
۶. شرح المناجاة الشعبانية، ص ۲۳۷؛ الامام الخميني، الجهاد الاكبر، ص ۴۶ و ۵۶ – ۶۰، مؤسسۀ تنظيم و نشر آثار الامام الخميني، الطبعة التاسعة، ۱۳۷۸ش.


المصدر [تعديل]

موقع اسلام كوئست   




أدوات خاصة
التصفح
جعبه‌ابزار